الرئيسية » » أنا من سيدي بوزيد/ ولن تفهموا ذلك | وليد تليلي

أنا من سيدي بوزيد/ ولن تفهموا ذلك | وليد تليلي

Written By هشام الصباحي on السبت، 20 يونيو 2015 | 1:25 م

أنا من سيدي بوزيد/ ولن تفهموا ذلك
عندما ولدتني أمّي كان بورقيبة يتغوّط في حفّاظة/ وكانت حاشيته تتقاتل على السّلطة.. أبي كان يعرف ذلك ويقول: "كلب يوكل كلب حتّى يتِمّوا الكلاب الكل"
أمّي لم تكن تعرف حفّاظات الأطفال طبعا مثل كلّ نساء قريتنا/ وضعتني على جلد ذئب في المطبخ دون أن تصرخ وسلّمتني إلى العالم.
أوّل رائحة ميّزتها كانت حنّاء كعب أمّي المشقّق ثمّ سيجارة أبي ثمّ الخبز المجمّر في الطّابونة/ أنا لست جون باتيست في فيلم العطر/ أنا وليد تليلي:
أكره العطور ومزيلات الرّوائح/ ولو كنت مكان ذلك الملعون لصنعت النّبيذ بدل قناني العطر التّافهة/ قنّينة نبيذ من جسد أجلينا جولي أشرب منها كأسا كلّ ليلة قبل النّوم مع سيجارة ماريخوانا من كبد بوب مارلي/ نبيذ من جسدي بوكوفسكي ورامبو أشربه مع المهاجرين في لامبيدوزا كلّ شتاء/ نبيذ من جسد محمود درويش أسقي به كتاكيت أمّي/ نبيذ من جسد أحلام مستغانمي أتبوّله على قبرها/ نبيذ من جسد كارل ماركس أبيعه لهذا اليسار بمئات الميارات/ هم أثرياء وسيتتدبّرون المبلغ حتما...
هذا العالم كلب يا أبي وأنا ولدت على جلد ذئب.
وُلدت في بيت حزين مازال يقيم الحداد على إخوتي الأربعة الذين ماتوا قبلي/ لا تلفاز ولا راديو كاسيت ولا صور على الحائط...
كنت وحيدًا أبحث عن إخوتي في الكتب المدرسيّة القليلة التي تركوها/ أكتب لهم كلّ يوم رسائل صغيرة عن الأشياء التي حدثت بعدهم ثمّ أتسلّى بانتظار إجاباتهم/ كانت الأوراق تنفذ بسرعة فأكتب لهم على حائط منزلنا.. على جذوع الأشجار.. على قشور الرّمان.. على ساق معلّمة المدرسة.. على صوت المؤذّن.. على كلّ شيء... وها أنا اليوم أملك الكثير من الأقلام والأوراق البيضاء والكتب وأجلس عاجزًا عن الكتابة/ أين كنت أيّتها الأوراق القبيحة حين كنت محتاجًا إليك لأكتب اسم أختي الصّغيرة التي أتت بعدي؟
الشّعراء يحبّون الورق كثيرًا/ ويحبّون النّوم في غرف مليئة بالأوراق "المكعبشة" كنوع من البريستيج/ المثقّفون يحبّون مربّعات بيكاسو دائمًا وموسيقى باخ وتشيكوفسكي قبل النّوم والمسرح التّجريديً وكلّ تلك الأشياء الغريبة بحجّة الفنّ والسّورياليّة والكذا.../ أمّا أنا فإنّني أعترف: أنا لا أفهم كلّ تلك السّخافات وأعتبرها ضحكًا على ذقون الأغبياء فقط/ أحبّ أغاني فيروز والڨصبة/ أحبّ الكتابة الصّريحة مثل الرّصاص/ وأكتب على حائطي على فايسبوك وعلى حيطان سيدي بوزيد فقط.
في ديسمبر من عام 2010 عدت من العاصمة فوجدت أنّ مدينتي قد تحوّلت إلى حائطٍ كبير للكتابة: يسقط النّظام/ سيدي بوزيد لا تهان/ ثورة 17 ديسمبر/ الشّهيد محمّد البوعزيزي/...
فرحت كثيرًا لأنّ إخوتي قد ردّوا أخيرًا على رسائلي التي كتبتها لهم منذ سنوات/ وعرفت عندئذ أنّه كان لابدّ من شهداء يصعدون إلى السّماء كي يبلّغوا رسائلنا إلى أحبّتنا الذين يسكنون هناك/ ومنذ ذلك اليوم قرّرت أن لا أتوقّف عن الكتابة.
رسالة اليوم هي: لا شيء تغيّر هنا يا إخوتي: الكلاب مازالت تأكل بعضها البعض/ والرّئيس مازال يتغوّط في حفّاظة.
وليد تليلي

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.