الرئيسية » » الأشجار لا تنتحر ....!! | وداد نبي

الأشجار لا تنتحر ....!! | وداد نبي

Written By هشام الصباحي on الجمعة، 3 أبريل 2015 | 3:39 م

الأشجار لا تنتحر ....!!

أرغبُ أن أكون شجرة ..شجرة تعيشُ في المدن المزدحمة كاستنبول
برلين أو طوكيو, شجرة تتنفسُ كل الهواء الملوث بتلك المدن 
وتسعلُ بأخر الليل لأن عامل التنظيفات نسي أن يمسح غبار
دخان السيارات وسجائر السكارى والمتسكعين عن اغصانها
شجرة أكاسيا تسعلُ لأن صدى تآوهات العشاق وقبلاتهم السرية
في زوايا الشوارع المعتمة يذكرها بالنخلة التي لا تزالُ تبكي وحدتها بقرطبة
شجرة جذورها ممتدّة للغيم , وتراقصُ الماء حينما تقعُ في الحب
شجرة تعرفُ كيف تلف سيجارة تبغ ٍ بيد ٍ واحدة
فطوال 29 عاماً وأنا أنمو بإتجاه التربة ,تحت التراب أنمو ككمأة ٍ سامة
أمد أغصاني وأتفرع تحت التُراب , لتقضم يناعتي الديدان الحلقية
التي لا رئة لها وكائنات العالم السفلي لدى " هيرودوت "
والإشتياق الذي لم يعرف
كيف يطوف للسطح كزهرة لوتس ٍ على ضفاف نهر النيل بمصر
أرغبُ أن أكون شجرة لأسباب كثيرة
لكن من الجدير بالذكر أن كون المرء شجرة يجعلهُ يقاوم فكرة
رؤية عنقه الجميل متدلّياً بحبلٍ كقوس قزح ٍ من غيمة
في سماء بعيدة بعيدة .
أن أكون شجرة ..شجرةً صغيرةً يا الله ..ليسَ بالأمر المستحيل .
أرغبُ أن أكون شجرة يانعة ٍ كجسدِ أنا كارنينا ..
ولم يكن لي يوماً صلة قربى "بآنا كارنينا " بطلة تولستوي
إلّا أنّني حينما قرأت موتها منذ خمسة أعوامٍ بصفحات الرواية بكيت كثيراً
وأنا أصغي بعذوبةٍ لصوت اصطدام جسدها بالقطار ..
صوت تحطم أضلاعها كان يرافقُني بالمقاهي المزدحمة
ومع كؤوس البيرة والعرق المغشوش الذي يتجرعهُ الأصدقاء
أنينها كان يرافقني حتى أثناء انشغالي ..بتعلم مقطع أغنية كنت أفشلُ بغناءها كل مرة
فيما كان العالم ُ بأكمله ِ مشغول ,ويكادُ يُصاب بالهستيريا من مفاجآت الأحداث
من معرفة قتلة "شارلي أبيدو " ومقاومة جرثومة "إيبولا " وتصنيف
المنظمات الإرهابية وإرسال الأسلحة للمافيات والأنظمة الحاكمة
بالحديث عن الشتاء والبرد بالمخيمات , حتى أثناء محاولتي بتعليم
"القطة " التي لدي عدم الاقتراب من فناجين قهوتي كانت "آنا كارنينا " معي
تهمس بأذني عن الأشجار التي لها قمصان من كرز ٍ ونساء ٍ لهن
أحلام شجرة تصطدم بقطار سريع بمدينةٍ غريبة
دون أن تتمكّن من كتابة كلمة "أحبّك "
على مقاعد المحطة ..أو زجاج القطار .
ولأنني أردتُ أن أكون شجرة ..
كانت الحياة ثقلٌ ..ثقلٌ كبيرٌ على كتفي الناعم المتعب
فيما الموت كان خفيفاً وهو يحطُ كسرب فراشات على أغصاني
في المرتين اللتين ذهبتُ فيهما كنت خفيفة كشجرة أكاسيا
هاربة من خريف مدن ٍ منكوبة بالحروب .
أرغبُ أن أكون شجرة ..
لأنّ الأشجار لا تنتحر حتى عندما تصل الحرائق لجذورها
بينما الشعراء على عكس الأشجار ينتحرون فقط
لأن عقب سيجارة سكيرٍ لامس َ قميص إمرأة يحبونها
أرغبُ أن أتحوّل لشجرة معمّرة ..
تقيم ُ في " حي ميتيه"" ببرلين ..أو على ضفاف "نهر سبري"
تزورُ الأصدقاء وتتسكعُ في مقاهيها الخشبية , تكتبُ قصائد حب
وتتعلم لفظ صباح الخير بالألمانية لترد بها على جارها العجوز
Gutten murgen " "
شجرة يُجففُ على أغصانها ثياب ملونة لطفلة جميلة
شجرة تبكي في أخر الليل
من حريقٍ شب في تُراب بلادها الأولى .
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.